5:44 مساءً / 26 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

المفكر الإسلامي محمد نبيل كبها في حوار خاص مع ” وكالة شفا ” حول شغفه للقراءة والكتابة

المفكر الإسلامي محمد نبيل كبها في حوار خاص مع ” وكالة شفا ” حول شغفه للقراءة والكتابة

شفا – خاص – رئيس وحدة القدس “نهى قطب” – عرف عنك أنك دائم التَفكّر وأقرب إلى الوحدة والعزلة، حيث مكثت في عزلتك لقرابة عامين كاملين على احدى الجبال في مدينة بيتونيا الكائنة في محافظة رام الله بفلسطين، وكنت وما زلت مهتمًا بالقراءة والبحث والكتابة، حيث اشتهر عنك أنك تقرأ بمعدل سبعة ساعات يومياً، حيث اهتممت إلى جانب اهتمامك بالهندسة الحاسوبيّة بالعلوم الشرعية والكوزمولوجيا والأسترونومي والأنثروبولوجي والثيولوجيا والانطولوجي والجيولوجيا والزي ولوجي والبيولوجيا والإيكولوجي والميتافيزيقيا والأديان وبالفلسفة وعلم النفس والتاريخ والنظريات وغيرها من العلوم.


ويَعْتَبِرك البعض من المفكرين الإسلاميين الإصلاحيّين والمجدّدين للخطاب الإسلامي.

س: ما سبب توجهك للكتابة والأدب وأنت تخصّصك هندسة حاسوب؟


ج: بداية ، لا يمكن أن تنبثق العظمة الحقيقية والحمكة إلا من خلال معاناتنا الوجودية في سقوطنا داخل مسلسل الحزن والألم ، ولكل إنسان قصّته وحكايته ، ولكن الإنسان الجسور والشّجاع فينا هو من يرى في هذه الصّعوبات والألآم تحدّيًا وإصرارًا لمواجهة هذا الخوف وهذه المحنة ليخصّب نفسه ويعرف ذاته.


سأتطرّق الى بعض محطات حياتي والتي كانت أحد أسباب صعود أفكاري وكتابي على طالوة ومائدة الوجود …
أنا منشئي في المملكة العربية السعودية ، وكانت البيئة التي تحيط بي هي بيئة إسلامية محضة وتلقينية، حيث وضعني والدي حفظه الله في المساجد منذ نعومة أظافري لكي أتلقى تحفيظ القران الكريم وأحكام التجويد والفقه والحديث ، ثم إنتقلت الى المملكة الاردنية الهاشمية ثم الى وطني فلسطين ، وخلالها كان لكل منهما مناخه الخاص الذي أثّر في شخصي وفكري، حتى تلقّيت الصدمة الكبرى والتأثير الأكبر حين إنتقلت إلى جمهورية مصر العربيّة لكي أتلقّى تعليمي الجامعي وأتخصص في هندسة الحايوب فيها ، وكانت صدمة شكيّة عقائديّة .


فعندما تكون طالب بسيط أمام بروفوسور عظيم العقل يقوم بتعلميك نظرية الإنفجار العظيم big bang theory للعالم الفيزيائي الروسي (جورج جاموف) ويقول لك : “قبل 13 مليار سنة ضوئية كان هناك جرم صغير ، تعرّض إلى كثافة عالية ودرجة حرارة عالية فحدث له انفجار عظيم، هذا الإنفجار أدى لولادة الكون الحالي، حيث إنفجر هذا الجرم مكونا المجموعة الشمسية ثم مجرة درب التبانة ثم المجموعة العنقودية الاولى والثانية والثالثة ثم السماء الرادويّة لتصل بكوننا الى ما هو عليه الأن -وهذا بفعل صدفة- ولا يوجد إله، والأدلية العلمية والفيزيائية تؤكد هذا؟!”، وفي المقابل خطاب إسلامي علمي سطحي وضعيف بالتأكيد سيعتريك الشك.


وبروفيسور آخر عملاق المعرفة، يقوم بتلقينك نظرية التطور evolution theory لعالم الطبيعة والأحياء والجيولوجيا العالم الكبير (تشارلز داروين) ويخبرك بأنه قبل 3 مليار سنه نشأت أوّل الكائنات الحيّة ” بكتيريا ” وبقيت على الأرض وحدها 2 مليار سنه ! ثم بدأ ظهور ” حقيقيّات النّواه ” ثم الكائنات البسيطة عديدة الخلايا مثل الديدان وقناديل البحر والإسفنج ، ثمّ بدأت بالإنتواع ( ظهور أنواع جديده ) فبدأ ظهور الأسماك ثم البرمائيّات ثم الثديات ، إنتهاء بظهور الأستروبيثيكاس والهومو من سلف مشترك.


كل هذا أعلنه داروين عام 1859 في كتابه (أصل الأنواع Origin of Species) أنّه لاخلق ولا تصميم ، الطّبيعة هي التي تفعل في زمانيّة طويلة ممتدّة !


هَذِه النَّظرِيةِ التي أَحدثَتْ هِزَّةً فِي عُمقِ نَظرةِ الإِنْسانِ إِلى هُويَّتِه، وعَلاقَتِه بالطَّبِيعةِ والكَوْن، حيث تحدث داروين في كتابه الأخر (On the Origin of Species by Means of Natural Selection أصل الأنواع بواسطة الإنخاب الطبيعي ) وكتابه الأخر الذي تحدث فيه عن إنحدار الإنسان عام 1871 (نشأة الإنسان والانتقاء الجنسي The Descent of Man, and Selection in Relation to Sex )


حيث إنحدر الهومو (الإنسان) في كتابه ( أصل الأنواع ، وأصل الأنواع بالإنتخاب الطبيعي ) إلى 7 أصناف ، هومو هابيليس ، هومو إريغاستر ، هومو إريكتاس ، هومو هايدل برجينسيس ، هومو النيانتردال ، إنتهاء ب الهومو سابينياس ( وهو الإنسان العاقل ، نحن) الكون والحياة متثلة بأعلى وعيها الإنسان كل هذا بفعل الطبيعة ، لا يوجد خلق ولا يوجد تصميم ، الطّبيعة هي التي تفعل كل هذا في زمانيّة طويلة ممتدّة !


وتجد في المقابل خطابا إسلامي محليا وركيكا، لا يجيب بشكل علمي على أسئلة ال Naturalism ( الطبيعيّون ) المتطورون والداروينيّين وال Atheism (الإلحاد) وال Agnosticism (اللاأدرية) وال Apatheism (اللاكتراثية) وال Deism (الربوبيّة) وال Irreligion (اللادينية) وال Secular humanism ( العلمانية) بالتأكيد سينخر وينقر عقلك الشك ، وهذا ما حدث معي!!


وهناك معراف لي كثر سقطوا في شباك الإلحاد ، ومنهم من وقع في اللادينية ، ومنهم من امن بالتطور وأن الانسان والحيوان إنبثقوا من سلف مشترك ، بل ان المصيبة في بعض الذين يحملون شهادات الماجستير والدكتوراة الذين امنوا أن أصل الإنسان حيوان!


أنا سقطت في شباك ال Skepticism وال Agnosticism ، ولكن ليس الشكيّة الساذجة ال Skepticism التي ترتكز على تعليق الحكم في الاشياء، كل شيء وكل مسألة قابل للنفي والاثبات والسّلب والايجاب بقوى متعادلة، لأن هنا يضيع اليقين وتبقى المسألة معلّقة، ويصبح الانسان غير قابل للمعرفة، والشكيّة هي مدرسة ومذهب وفلسفة أسسها الفيلسوف اليوناني الكبير ( بيرون ) ثم حمله بعده الراية تلميذه ( تيمون ) وبوفاة ( تيمون ) إنتهت الفلسفة الشكية، ولكنها بعثت من جديد في مصر لفترة زمنية ثم إنتهت.


لكن الشك الذي وقعت فيه أنا هو الشك (الابستمولوجي) أو الشك (المعرفي) وهو الشك الحقيقي وهو المفهوم الأوسع للشك، وبدأت ابحث عن الحقيقة، حقيقة وجودي وسر وجودي، حقيقة الوجود الموضوعي من حولي ، وحقيقة ما وراء الوجود ،واستمرت رحلتي هذه لعامين اعتزلت فيها الناس، حيث بدأت شاكا وإنتهيت موقنا بأن الرسول ص هو حق وأن الإسلام هو حق وان القران هو حق وأن الله هو الحق وهو الحقيقة الأولى، قال تعالى : ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَٰطِلُ.


وهذا الذي حدث معي يحدث مع الكثير من المفكرين والعلماء والفلاسفة، ومن ضمنهم أبو حامد الغزالي (حجة الإسلام ) والفيلسوف الفرنسي الكبير (رينيه ديكارت) وكل مفكر حقيقي يبحث عن الحقيقة.

س: نعاني من إشكاليات، برأيك كيف سوف يتم حل هذه الإشكاليات (المعيقات) التي ظهرت نتيجة لمنهج ما؟

ج: عالم الفيزياء الكبير ( أينشتاين) كتب مرّة يقول : “إنك لا تستطيع حل إشكاليّات جديدة ظهرت نتيجه لمنهج”، لذلك أي حراك سياسي حتى يأتي أكله يجب أن يكون مسبوق بحراك ثقافي ، محمد عيه الصلاة وأفضل السلام مكث في مكة 13 عام لم يقم فيها بأي حراك سياسي ، وإنما كان حراكه ثقافي ، بحيث مكث في مكة 13 عام يبث أفكار جديدة ومفاهيم جديدة ( وهذا هو الحراك الثقافي ) وعندما هاجر الى المدينة مكث فيها 10 أعوام بدأ فيها بالحراك السياسي ليتكون النتيجة (فتح مكّة ) لذلك أي حراك سياسي حتى يأتي أكله يجب أن يكون مسبوق بحراك ثقافي


س: ذكرت في كتابك مصطلح ( العقم العربي) ماذا تقصد بالعقم العربي ؟


ج: هناك العقم الأنثوي والعقم الذكوري ، وهو عدم قدرة الوالدين على الإنجاب ، وهناك العقم العقلي العربي ، وهو عدم قدرة العقل على إنجاب وإنتاج الأفكار ، وإن أنجب فإنّه ينجب أفكارا مشوّهة ومعوّقة.


ولكي نخرج بعقل سليم لديه القدرة والّلياقة على توليد مفاهيم جديدة علينا في البداية تحرير العقل العربي المسلم ، وهذا ما قاله الفيلسوف ( رينيه ديكارت ) عندما أرسل رسالة إلى الرّاهب والقس ( ميلان ) يقول له فيها :


(مثل الشّك الإبستومولوجي كمثل سلّة فيها تفّاح ، جزء منها صحيح ، وجزء منها مصاب ومعطوب ، فليس من الصحّة ان نقول: “التفاح في السلّة سليم”، كما أنه ليس من الصحّة أن نقول: “التفاح بالسلّة مُصاب”، كما أنّه لا يجب أن نترك التفّاحة المصابة بجانب السّليمة لكي لا تُعديها فتُتلفها، وإنما الحل هو إفراغ سلّة التفّاح بالكامل ، ولا نعيد إليها إلا التفاح الصحيح فقط بعد أن نتفحصها ونتأملها ، والتفاحة المصابة والمريضة نستبعدها ونتلفها ، وهكذا ننجوا من أن تغتال التفّاحة المريضة التفّاحة السّليمة.


ما أراد أن يوصله لنا ( رينيه ديكارت ) هو الأتي :


(التّفاح هي الأفكار ، والسّلّة هي الدّماغ ، بمعنى، أن تفرغ كل ما في دماغك من أفكار ، وتضعها على طاولة ومشرحة المحاكمة العقليّة والفكريّة ، ولا تُعيد إلى دماغك إلا الأفكار الصّحيحة والسّلمية فقط، والأفكار المريضة والمشوّهة تستبعدها ، وهكذا تنجوا من أن تغتال أفكارك المريضة أفكارك السّليمة).
ولكن أخشى ما اخشاه ، أن يتحقّق ما نثره الكاتب السوري ( محمد الماغوط ) عندما قال : “يبدوا أنّ تحرير العقل العربي أصعب من تحرير فلسطين”.


س: هل تجربة الكتابة محتكرة عليك يا أستاذ محمد أو على صنف معيّن ؟ أم يستطيع الإنسان العادي أن يكون كاتبا ومفكّرا ؟


ج: سأل أحدهم الأديب والرّوائي الرّوسي ( ليو تولستوي ) : “هل يستطيع الإنسان العادي أن يكتب؟”، فقال: “نعم، ولكن عليه أن يكتب في موضوع شيّق بالنسبة له، ولكن هذا لا يجعل منه كاتبا عظيما أو روائيّا عظيم ، فالعباقرة لا يولدون عباقرة ، وإنما يصبحون كذلك بعد مشقّة طويلة من القرائة والمطالعة والدراسة ، وكذلك الكاتب يصبح كاتباً”.


وعندما سُأل الكاتب الأمريكي الساخر ( مارك توين ) عن الكتابة ، فقيل له : “كيف نكتب؟”، فقال: “خذ قلما وورقة ، وإكتب الأفكار التي تثور في ذهنك ، ولكن هنك أمران مهمّان : الأوّل – نوعيّة الأفكار التي ستكتبها ، والثاني والأهم – أن تستطيع أن تعبّر عنها بهذا القلم على هذه الورقة”.

شاهد أيضاً

تشو شيوان

روح شانغهاي تقود اتجاه العصر: منظمة شانغهاي للتعاون تحقن الحكمة الشرقية في الحوكمة العالمية ، بقلم : تشو شيوان

روح شانغهاي تقود اتجاه العصر: منظمة شانغهاي للتعاون تحقن الحكمة الشرقية في الحوكمة العالمية ، …