شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .
غزة تُصلّي بين الشهيق والزفير قراءة في قصيدة “نداءٌ خافت” للشاعر عادل جودة ، بقلم : رانية مرجية
هناك لحظات تتخطى اللغة، تصبح الكلمات فيها جسراً هشّاً فوق نهر من الدموع والدماء. هكذا هي قصيدة “نداءٌ خافت”، نصّ مكثف وموجع، يخاطب أرواحنا لا آذاننا، يندرج في سياق الشعر الوجداني المقاوم، حيث تصير المفردة وثيقة وشهادة وصلاة.
منذ السطر الأول، يتكشّف لنا أن القصيدة لا تروي مأساةً آنية، بل تقرأ التاريخ المستمر لجراح غزة، كأنها تصغي إلى نبض المدينة من داخل حطامها. فـ”في صمت الجراح” تُولد “صرخة لا يسمعها إلا من امتلك قلبًا”، وهذه العبارة المفتاحية تعلن بوضوح أن النصّ موجه للضمائر الحيّة، لا للمتفرجين العابرين.
يعتمد الشاعر على إيقاع بسيط، لكنه ملغوم بالحقيقة، حين تُجرد الواقع من الزينة:
“لا خبز، لا أمان، لا كرامة”
ثلاثية قاسية تختصر حال غزة، تختزل غياب أبسط مقومات الحياة، وتحيل القارئ إلى ما يشبه الخجل الوجودي. ليس هنا تجميل، بل انكشاف فجّ للحقيقة.
الأم في القصيدة ليست فقط رمزًا للحياة، بل مرآةٌ للفقد:
“أطفالها ينامون على شهقات الأمهات”
الجملة هذه تضعنا في مواجهة حميمية مع الألم، إذ يكتفي الشاعر بإيحاءات بسيطة تُغني عن ألف صورة إعلامية. لا حاجة للتصوير البصري الدموي، فشهقة الأم تقول كل شيء.
في القسم الثاني من النص، ينقلنا الشاعر إلى بُعدٍ روحي/صوفي:
“اللهم إنّا ضعفاء… اللهم إنّ القلوب قد ضاقت…”
هنا لا يتخذ الدعاء طابع الاستسلام، بل يصبح دعاء اشتباك، وصيغة رجاء نابضة بالكرامة. فالدعاء هنا شكل من أشكال المقاومة، ومن أدوات البقاء.
ويأتي الختام ليفتح بوابة المعجزة الغزّية:
“غزة لا تموت.. بل تُبعث من الرماد…”
بهذا التصريح، يسدل الشاعر الستار على نصٍّ يحمل في داخله كل تناقضات غزة: الحزن والرجاء، الفقد والبقاء، الموت والبعث.
إن “نداءٌ خافت” ليست قصيدة رثاء، بل قصيدة قيامة.
هي ليست بكاءً على غزة، بل بكاء مع غزة، بل نداءُ من يسكن غزة في القلب مهما بَعُد المكان، ومن لا يزال يؤمن بأن الصمت ليس حياداً، وأن الكلمة حين تُكتَب بالدمع، تصبح أقوى من كلّ المدافع.
