
الأستاذ الفاضل عماد صلاح ، رمز العطاء والوفاء في رحاب العلم ، بقلم: د. تهاني رفعت بشارات
في دروب الحياة الأكاديمية، تمضي بنا الأيام ونلتقي بكثيرين، غير أن بعض الوجوه لا تمرّ عبور الغريب، بل تترك في القلب بصمة، وفي الذاكرة نقشاً لا يُمحى. هؤلاء هم الذين يضيئون العتمات بتواضعهم، ويرسمون في أرواحنا خيوط الأمل بصمتهم النبيل. ومن بين أولئك الأفاضل، يتلألأ اسم الأستاذ الفاضل عماد صلاح، المساعد الأكاديمي في جامعة القدس المفتوحة فرع جنين، الذي تشرفتُ بمعرفته والتعامل معه في إحدى محطاتي المهنية.
كان لقاؤنا الأول متزامناً مع حصولي على فرصة تدريس مواد جامعية في قسم اللغة الإنجليزية؛ وما إن بدأتُ تلك الخطوة الجديدة، حتى التقيت بالأستاذ عماد، ذاك الذي ما إن تتعامل معه حتى تُدرك أنك أمام رجلٍ من طرازٍ نادر: قمة في الأخلاق ورقيّ في التعامل، وتواضع يسبق الألقاب، وعطاء لا يعرف سقفاً.
لم يكن دوره يقتصر على التنسيق أو المتابعة الإدارية، بل كان بحقّ “السند الأكاديمي” الذي يقف إلى جانب كل طالب ومحاضر، فيمنح من وقته وجهده ما يفوق الوصف، بكل حبّ ورضا. لقد علمنا أن الوظيفة ليست مجرد مهام تؤدّى، بل رسالة تزرع الأثر، وتروي بذور النجاح في نفوس الآخرين.
وما زال موقفٌ إنسانيّ خالص يلوح في ذاكرتي كمشهدٍ ناصع الدلالة على نُبل هذا الإنسان. ففي أحد الأيام، تأخرت طالبة خريجة عن موعد تسميع أجزاء من القرآن الكريم، بسبب ظروفٍ خارجة عن إرادتها، تمثّلت في اقتحام الاحتلال لقريتها. كان من الممكن أن يُقابل هذا التأخير بجمودٍ إداريّ أو تجاهل، ولكن لا في حضرة الأستاذ عماد. لقد سارع فوراً للتواصل مع المشرف الأكاديمي، ونسّق موعداً بديلاً للفتاة، واضعاً بذلك الإنسانية فوق كل اعتبار، ومجسداً أسمى صور الرحمة والإحسان والتيسير في الحقل الأكاديمي.
ذلك الموقف، وإن بدا بسيطاً في ظاهره، إلا أنه كان بالنسبة لي درساً عميقاً في “فنّ الإصغاء للإنسان”، وفي تحويل المواقف الحرجة إلى فرص تفيض بمعاني الأخلاق والاحتواء. هكذا هم العظماء: لا يصنعون الضجيج، لكنهم يحدثون فرقاً لا يُنسى.
لقد غدا الأستاذ عماد صلاح نموذجاً يُحتذى في الجهد والخلق والتفاني، وأصبح أثره الطيب ملموساً في كل زاوية من زوايا الجامعة. هو كالسنبلة المنحنية كلما ازدادت امتلاءً، وكالنبع الرقراق لا يبخل بمائه عن العطاشى. هو ممن يعملون بصمت، ولكن أثرهم يعلو كما تعلو شمس الضحى فوق كل غيم.
ومن هذا المنبر، أرفع أكفّ الشكر والتقدير والعرفان لهذا الإنسان النبيل، الذي يستحق أن يُكرّم في كل محفل، ويُروى أثره في كل مقال، لأنه خير شاهد على أن “إنما الإنسان أثر”، وأن الطيبين أمثال الأستاذ عماد يخلّدهم التاريخ لا بالألقاب، بل بما غرَسوه في القلوب من محبة، وفي الأرواح من نور.
دمتَ شعلةً لا تنطفئ في ميدان العلم، ومنارةً سامقةً في صرح التعليم، وأثراً خالداً لا تغيب عنه الذاكرة ولا تنساه القلوب.