
شفا – أكد تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعمد إطالة أمد حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة المستمرة منذ أكثر من 20 شهرا ليبقى في السلطة وبناء على اعتبارات ائتلافه اليميني المتطرف.
وذكر تحقيق الصحيفة أنه بعد ستة أشهر من بدء حرب الإبادة في قطاع غزة، كان بنيامين نتنياهو يستعد لوضع حد لها، حيث كانت المفاوضات جارية لوقف إطلاق نار طويل الأمد مع حركة “حماس” وفصائل المقاومة، وكان مستعدًا للموافقة على حل وسط.
في حينه أرسل نتنياهو مبعوثًا لنقل موقف الكومة الإسرائيلية الجديد إلى الوسطاء المصريين. وقد أبقى الخطة خارج جدول الأعمال المكتوب للاجتماع. كانت فكرته أن يعلن عنها فجأة، حتى يمنع الوزراء المعارضين من تنسيق رد فعلهم.
كان ذلك في أبريل 2024، قبل عودة نتنياهو السياسية الكبرى. حيث كانت الخطة المطروحة ستوقف حرب غزة لمدة لا تقل عن ستة أسابيع. وكانت ستفتح نافذة للتفاوض مع حماس حول هدنة دائمة.
في حينه كان من الممكن إطلاق سراح أكثر من 30 أسيرا إسرائيليا، وكان من الممكن إطلاق المزيد منهم إذا تم تمديد الهدنة. وكان الدمار في غزة، حيث كان نحو مليوني إنسان يكافحون للبقاء تحت القصف اليومي، سيتوقف.
حافز التطبيع مع السعودية
قالت نيويورك تايمز إن إنهاء حرب الإبادة الإسرائيلية حينها كان سيزيد من احتمالية التوصل إلى اتفاق سلام تاريخي مع المملكة العربية السعودية، أقوى دولة في العالم العربي.
فعلى مدار أشهر، كانت القيادة السعودية قد لمّحت سرًا إلى استعدادها لتسريع محادثات السلام مع دولة الاحتلال بشرط أن تتوقف الحرب في غزة.
وكان تطبيع العلاقات بين السعودية والحكومة الإسرائيلية، وهو إنجاز لم يحققه أي زعيم إسرائيلي منذ تأسيس دولة الاحتلال عام 1948، سيعزز مكانة (إسرائيل) في المنطقة ويؤمن إرث نتنياهو السياسي طويل الأمد.
لكن بالنسبة لنتنياهو، كانت الهدنة تنطوي أيضًا على خطر شخصي. فهو يقود ائتلافًا هشًا يعتمد على دعم وزراء اليمين المتطرف الذين يريدون احتلال غزة لا الانسحاب منها.
وهؤلاء كانوا يرغبون في حرب طويلة تمهد في نهاية المطاف لإعادة بناء المستوطنات اليهودية في القطاع. ولو تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في وقت مبكر جدًا، لربما قرر هؤلاء الوزراء إسقاط الائتلاف الحاكم.
وكان ذلك سيؤدي إلى انتخابات مبكرة أظهرت استطلاعات الرأي أن نتنياهو سيخسرها.
مصالح نتنياهو الشخصية
خارج السلطة، سيكون نتنياهو معرضًا للخطر. فمنذ عام 2020، وهو يخضع للمحاكمة بتهم فساد؛ وهي تهم ينكرها، لكنها تتعلق بمنح امتيازات لرجال أعمال مقابل هدايا وتغطية إعلامية إيجابية. وإذا فقد السلطة، فلن يكون بمقدوره إقالة النائب العام الذي يشرف على محاكمته – وهو ما ستسعى حكومته لاحقًا لمحاولة فعله.
وفيما كانت الحكومة تناقش مواضيع أخرى، دخل مساعد مسرعًا إلى قاعة الاجتماع حاملاً وثيقة تلخّص موقف إسرائيل التفاوضي الجديد، ووضعها بهدوء أمام نتنياهو. قرأها مرة أخيرة، مشيرًا إلى بعض النقاط بقلمه. كان طريق الهدنة يحمل خطرًا حقيقيًا، لكنه بدا مستعدًا للمضي قدمًا.
ثم قاطع بتسلئيل سموتريتش وزير المالية، مجريات الاجتماع. إلى جانب إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي اليميني المتطرف، كان سموتريتش من أبرز المؤيدين لإعادة بناء تلك المستوطنات. وكان قد دعا إلى رحيل معظم سكان غزة الفلسطينيين.
وفي الاجتماع، قال سموتريتش إنه سمع شائعات عن وجود خطة اتفاق. وأزعجته التفاصيل. وقال لنتنياهو: “أريدك أن تعرف، إذا تم تقديم اتفاق استسلام كهذا، فلن يكون لديك حكومة بعد الآن”. وأضاف: “الحكومة انتهت”.
كانت الساعة تشير إلى 5:44 مساءً، حسب محضر الاجتماع. في تلك اللحظة، اضطر رئيس الوزراء للاختيار بين احتمال الهدنة وبين بقائه السياسي – فاختار نتنياهو البقاء.
وأكد نتنياهو لسموتريتش: “لا يوجد اتفاق وقف إطلاق نار”. وأضاف: “لا، لا، لا يوجد شيء كهذا”. ثم مال بهدوء إلى مستشاريه الأمنيين وهمس لهم بما بات واضحًا لديهم على الأرجح: “لا تقدموا الخطة”.
“قيامة سياسية”
تُعدّ الحرب التي استمرت 12 يومًا مع إيران في يونيو لحظة مجد لنتنياهو، إذ تُوِّجت بعودة سياسية بعد أدنى نقطة في مسيرته الطويلة، عندما قاد في أكتوبر 2023 أفدح فشل عسكري في تاريخ دولة الاحتلال.
لكن رغم ما يبدو من انتصار، فإن حسابًا أكثر مصيرية ينتظر نتنياهو بشأن حرب غزة. فالصراع دمّر معظم القطاع، وأودى بحياة ما لا يقل عن 57 ألف فلسطيني بينهم عشرات آلاف المدنيين، من ضمنهم ما يقرب من 10 آلاف طفل دون سن الحادية عشرة.
وحتى لو أفضت المفاوضات أخيرًا إلى إنهاء القصف الإسرائيلي، فإنها بالفعل أطول حرب عالية الكثافة في تاريخ دولة الاحتلال بما في ذلك حرب الأيام الستة عام 1967 التي وضعت غزة والضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية.