10:11 صباحًا / 3 يوليو، 2025
آخر الاخبار

ازدواجية المشهد الرقمي ، بقلم : أمال حاجي

ازدواجية المشهد الرقمي ، بقلم : أمال حاجي

ما يحدث على وسائل التواصل الاجتماعي من تناقض صادم، حيث نرى نفس الأشخاص أو المجموعات التي تنشر فيديوهات صادمة لجثث ضحايا الغرق، ثم تتحول فجأة إلى مهاجمة من ينشرون فيديوهات لأطفال ضحايا آخرين، هو ظاهرة تستحق وقفة طويلة وتأملاً عميقاً. هذا السلوك ليس مجرد خطأ عابراً، بل هو انعكاس لأزمة أخلاقية حقيقية في تعاملنا مع المحتوى الرقمي، حيث تتحول المآسي الإنسانية إلى مجرد مواد للاستهلاك والتفاعل، دون أي اعتبار لمشاعر الضحايا وأسرهم.

الأمر الأكثر إثارة للاستياء هنا هو الازدواجية الصارخة في المعايير. كيف يمكن لمن ينشر فيديو جثة غريق، وهو أمر ينتهك أبسط حقوق المتوفى في الخصوصية والكرامة، أن يتحول فجأة إلى “حارس للأخلاق” عندما يتعلق الأمر بنشر فيديو لطفلة ضحية؟ هذا التناقض لا يعكس إلا غياب المبادئ الثابتة، واستبدالها بانتهازية مريبة، حيث يصبح الهدف هو جذب الانتباه والمشاهدات بأي ثمن، حتى لو كان على حساب القيم الإنسانية الأساسية.

الواضح أن هؤلاء لا يهتمون بالحقيقة أو بالأخلاق بقدر ما يهتمون بالزخم الإعلامي. عندما تكون هناك قضية مفجعة مثل اختفاء طفلة، يسارعون بنشر أي محتوى صادم لركوب الموجة العاطفية، دون أي تحقق من المصادر أو أي اعتبار للعواقب. وعندما تظهر الحقائق وتتغير الظروف، يتحولون فوراً إلى مهاجمة الآخرين، ليس دفاعاً عن القيم، بل لاستمرار بقائهم في دائرة الضوء، وكأن المأساة الإنسانية مجرد وسيلة لتحقيق الشهرة.

هذا السلوك ليس فقط غير أخلاقي، بل هو أيضاً خطير، لأنه يساهم في خلق فوضى إعلامية ويؤذي الضحايا وأسرهم مرتين: مرة بنشر المحتوى الصادم، ومرة أخرى بخلق ضجيج إعلامي يحول معاناتهم إلى مجرد موضوع للنقاش والجدال. أسرة الشخص المتوفى التي ترى جثة عزيزها تُنشر على الملأ، وأسرة الطفلة التي تتعرض لضغوط نفسية إضافية بسبب التضليل والهجوم، كلها تدفع ثمن هذا الانتهاك.

والأسوأ من ذلك أن بعض هذه الصفحات قد تكون لديها أجندات خفية، تستغل فيها المآسي للتلاعب بالرأي العام أو لتحقيق أهداف معينة، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو حتى مادية. الهجوم على ناشري فيديو الطفلة قد يكون مجرد وسيلة لإخفاء أخطائهم السابقة أو لتحويل الأنظار عن تقصير ما.

لكن كيف يمكن مواجهة هذه الظاهرة؟ أولاً، يجب فضح هذه الازدواجية ومواجهتها بالحجج المنطقية. كيف يجرؤ من ينشر محتوى صادماً على اتهام الآخرين بعدم الأخلاق؟ ثانياً، علينا التذكير دائماً بقدسية الموت والخصوصية، وأن الضحايا وأسرهم ليسوا مجرد شخصيات في دراما إعلامية، بل بشر يعيشون ألماً حقيقياً. ثالثاً، يجب تشجيع الناس على التوقف عن التفاعل العاطفي مع مثل هذا المحتوى، لأن كل مشاركة أو تعليق تزيد من انتشاره وتشجع ناشريه على الاستمرار.

وأخيراً، يجب المطالبة بمساءلة هذه الصفحات التي تستغل المآسي لزيادة متابعيها، سواء عبر الإبلاغ عنها أو عبر الضغط على المنصات لتحمل مسؤوليتها في حماية المستخدمين.

في النهاية، ما نراه ليس مجرد سلوكيات فردية خاطئة، بل هو نتاج لثقافة رقمية تختزل المعاناة الإنسانية في لايكات ومشاركات. إذا كنا نريد تغيير هذا الواقع، فعلينا أن نبدأ بأنفسنا، بالتوقف عن أن نكون مجرد متفرجين سلبيين، والتحول إلى مستخدمين واعين يضعون الإنسان قبل أي اعتبار آخر. لأن المأساة الحقيقية ليست فقط في ما يحدث للضحايا، بل أيضاً في كيف نتعامل نحن مع آلامهم.

شاهد أيضاً

وزيرة العمل إيناس العطاري تطالب بتوفير رؤية عربية مشتركة للتشغيل لبناء سياسات تنموية فعالة

وزيرة العمل إيناس العطاري تطالب بتوفير رؤية عربية مشتركة للتشغيل لبناء سياسات تنموية فعالة

شفا – شاركت وزيرة العمل إيناس العطاري في الاجتماع العربي الإقليمي التحضيري للقمة العالمية الثانية …