
السلام الذي حَلِم به الفلسطينيون ، وسقوط الحلم تحت ركام الاحتلال ، محمد علوش
في ليل طويلٍ من القهر، وخلف أسوار تئنّ من شدة الحصار، حلم الفلسطينيون بالسلام، ولم يكن ذلك الحلم ترفاً فكرياً ولا هروباً من نار الواقع، بل كان خلاصاً يُرتَجى من وجعٍ امتدّ لعقود، حلموا بوطن يقيمونه على أرضهم، بسيادة كاملة، تحت علم يحمل هويتهم، لا بصمة الاحتلال، وحلموا بعودة اللاجئين، بحرية القدس، وبحياة يُولد فيها الطفل دون أن يُولد معه الخوف.
منذ أن أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية قبولها بمشروع السلام، اختار الفلسطينيون طريق التفاوض والمقاومة السياسية، ووافقوا على دولة على حدود 1967، تنازلوا عن أكثر من نصف أرضهم التاريخية، في سبيل وقف هذا النزيف وبناء دولة قابلة للحياة، لكن ما الذي جرى؟
السلام الذي مدّت له القيادة الفلسطينية يدها، قُطع شريانه بسكين الاحتلال، فالكيان الذي زعم قبول السلام، لم يترك للحلم الفلسطيني فسحة واحدة كي يتنفس، فبدلاً من أن تُبنى جسور الثقة، بُنيت جدران الفصل العنصري، وبدلاً من أن تُزال المستوطنات، تمدّدت كالسرطان في الضفة الغربية، تلتهم ما تبقّى من تراب يمكن أن تقوم عليه الدولة الفلسطينية.
ثم جاءت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، الواحدة تلو الأخرى، بأشد من سابقتها تعنتاً وغطرسة، تُشرعن الاستيطان وتُصعّد القمع وتسن القوانين التي تُحوّل الاحتلال من احتلال مؤقت إلى احتلال دائم، ومن سطو عسكري إلى اغتصاب قانوني، ومع كل بيت يُهدم، ومع كل طفل يُعتقل، كانت فصول السلام تمزق صفحة تلو الأخرى.
لكن الجرح لم يكن فقط من الاحتلال، بل من ذلك الدعم الأمريكي السافر، غير المحدود، لحكومات إسرائيل المتعاقبة، وآخرها هذه الحكومة الفاشية والأكثر تطرفاً وعنصرية، وكأن العدالة تُقاس بميزان المصالح، وكأن الدم الفلسطيني أقل قيمة في ميزان السياسة الدولية، فحكومات وإدارات البيت الأبيض المتعاقبة، بدل أن تكون راعياً للسلام، باتت شريكاً في دفنه، فنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، الاعتراف بالمستوطنات، ومحاولة إسقاط حق العودة، والمس بمكانة منظمة التحرير الفلسطينية ووصمها المستمر بالإرهاب، كلها طعنات غادرة في جسد الحلم الفلسطيني.
اليوم، لم يعد الفلسطيني يرفع عينه إلى السماء يسأل متى يتحقق السلام، بل يحدّق في الأرض التي تضيق عليه يوماً بعد يوم، يزرع فيها الصبر بدل الزهر، ويكتب على جدران المخيمات، “هنا كنا، وهنا سنكون، فالسلام الذي حلم به الفلسطيني، لم يُقتل برصاصة واحدة، بل بإجراءات متتالية من التجاهل والنكران والاستيطان.
لكن رغم كل ذلك، لم يمت الحلم تماماً، فالحلم الفلسطيني لا يموت، لأنه محفور في القلب، ولأنه يحمل في طياته إيمان شعب لا يُهزم، ولأن الأرض ما زالت تنطق بالعربية الفصحى، قد يسقط مشروع السلام السياسي، ولكن لا يسقط حقّ الشعوب في حريتها، وما دامت العيون مفتوحة على القدس، وما دام في القلب نبض فلسطيني، فسيُكتب للحلم أن يعود، ولو بعد حين.