
أمة تتلاشى ، بقلم : عدوية السوالمة
في خضم اشكالياتنا العنيفة نقف عاجزين عن الفعل ورد الفعل . نسقط في أتون مرض جماعي يشل قدرتنا على الحركة والتفكير كنتيجة لاحساس مزمن بعدم جدوى الفعل . إحساس إلتصق عميقا بوعينا ,لتعود بنا انكساراتنا إلى زمن الطفولة كبناء معرفي يحمل في ثناياه تصورات واهمة عن قدراتنا عديمة التأثير .
الكل في خضم معالجات آنية ضيقة للإشكاليات اليومية نسير وكأن على رؤسنا الطير , نسبح في محيط تملؤه قاذرات السياسة والاقتصاد والمجتمع دون أن نعرف عن إمكانيات الخروج وفي حقيقة الأمر أن المسير بحاجة إلى قدرة على فك طلاسم المعرفة التي تجاوزتنا بإرادتنا .
لم نستطع الوصول لارتقاء معرفي مناسب لعدم تطور بنانا المعرفية التي وقفت عند مرحلة عمرية طفلية وهو ما يظهر بشكل جلي في اعتمادنا الفكري على مسلمات تشرح وتفسر العالم من حولنا دون محاولة خرق تلك المسلمات أو مراجعتها فتبدو معالجاتنا بعيدة عن الأصالة خائفة من الجديد تضفي جمودا على سلوكنا .
الكثير منا يعتمد الثقافة التي يضخها الفيسبوك عبر لافتات صغيرة تضم معلومات بسيطة و في الغالب غير صحيحة لنتداولها بدون أدنى مراجعة . معلومات تثق بعدم رغبتنا في المراجعة والتمحيص معتمدة في انتشارها على منطقنا الضحل في النقد والتفكير .
بحسب الرؤية البياجيه للتطور المعرفي نحن لم نبارح مرحلة الطفولة لإفتقارنا للمحرض اللازم للنمو ألا وهو التعرض لتأثير الصراعات المعرفية التي ستحقق اختلال توازن يدفعنا نحو التطور الذهني عبر عملية المواءمة .فالسعي نحو التوازن يعد الدافع وراء التعلم حيث أن عدم الرضا يحفزنا على تجاوز التحديات الجديدة لاستعادة حالة التوازن
التوتر المعرفي مرتبط بإمدادنا المعرفي المتنوع والذي يصلنا عبر مواد فكرية ذات طابع تحفيزي تغرق القديم وتحل الجديد , تردم بناءاتنا المعرفية ذات الطابع الجامد والرافض للتجدد والمقاوم للمجازفة والنقد .
زعزعة تلك البنى والتراكيب الجامدة يعتمد في الأساس على هذا الامداد الذي لن يصلنا طالما أننا في عداء وقطيعة مع فعل القراءة الذي ما زال يعتبر مجرد هواية في حين أنه يجب التركيز على عملية الالزام المجتمعي والتي تبدأ من المنزل والمؤسسات التعليمية . بدونه لن ننجز التطوير ومع الوقت تسقط قدرتنا على التعامل مع الجديد “ولن نشهد أي انتظام في تجاربنا مما قد يؤدي الى استنزاف مواردنا العقلية “
أي تغير نرومه نحو الأفضل لآبد أن يؤسس له تركيب معرفي أكثر حداثية من التركيب المعرفي السابق . الإشكالية الكبيرة في محيطنا العربي أننا لا نملك أرضية مناسبة لبناء تراكيب معرفية تماشي بأي شكل من الاشكال حداثية التراكيب المعرفية الموجودة في الغرب والعالم المتطور .
الثورات المعرفية التي شهدها الغرب كانت بفعل التراكم المعرفي الذي أسست له الثورات الفكرية التي مجدت الفرد ورفعت من سوية الرؤية الإنسانية لمفاهيم العدل والمساواة والحرية .
التغيرات الفكرية التي حدثت في أوروبه كانت بتأثير فلاسفة تلك العصور من أمثال روسو “الذي كان لأفكاره تأثير كبير على الحركات الثورية وقد اعتبر كتابه العقد الاجتماعي حجر الزاوية في الفكر السياسي والاجتماعي الحديث “
مازلنا نعتقد إلى الآن أن القراءة مجرد هواية يمكن استبدالها بهواية أخرى وفي حقيقة الأمر أن كل السر يعتمد على القراءة . لذا لا يمكن أن تكون علاقتي بالكتاب مجرد هواية في حين أنها يجب أن تكون من ضرورات الحياة التي لا يستغنى عنها . كل التطور والمعرفة مرهون بالكتاب والقراءة حتى الثمالة في ظل الطوفان المعرفي الذي نشهده
البعض غارق في ديونه والبعض الآخر في اشكالياته النفسية أو الجسدية وآخر في الإبحار في عالم الضياع والتفاهة الذي أمنه سوء استخدام المعلوماتية ومازلنا نتحدث عن القراءة وكأنها مجرد هواية . حتى الأديان أغرقتنا في الطقوس بدل الوصول للمغزى والهدف , وإلا لما وجدنا هذا النوع من اماتة الوقت والاستهتار به بدون أي إنتاجية تذكر مع العلم أن الأديان تركز على الأهمية القصوى للعمل .
لا شك أن التكنولوجيا قد أمنت للبشرية الرفاهية والوقت إلا أننا في العالم العربي قد منحنا المزيد من الوقت لاضاعته بدل المزيد من البحث والتطوير العلمي .
لا يمكنك أن تغير أمة إن لم يكن لديها خزان معرفي يرفع من مستوى قدرتنا على الفهم والاستيعاب والتحليل والتركيب وكل العمليات العقلية .
بالطبع معرضين للتلاشي إن لم نكن قادرين على السير في أوساط دائمة التغير والتجدد فلن يكتفي العالم بتهميشنا فقط .