4:06 مساءً / 24 يونيو، 2025
آخر الاخبار

غزة ، متى تُغلق السماء على الجراح ؟ بقلم : رانية مرجية

غزة … متى تُغلق السماء على الجراح؟ بقلم : رانية مرجية

منذ أكثر من ثمانية أشهر، والعالم يقف على حافة خرابه الأخلاقي. ومنذ أكثر من ثمانية أشهر، يُذبح الأطفال في غزة بلا شفقة، تُهدم البيوت على رؤوس أصحابها، تُمحى الأحياء عن الخارطة، وتُقتلع أرواح بريئة كأنها أوراق شجر في خريف المجازر. لا هدنة تصمد، ولا قرارات دولية تُنفَّذ، ولا إنسانية بقيت على وجه هذا الكوكب إلا ما ندر. فما الذي يحدث في غزة؟ أهي حرب؟ لا. إنها جريمة. إنها الإبادة الجماعية بثوبها العاري أمام العالم، ولا أحد يرف له جفن.

لقد تجاوز العدوان الإسرائيلي على غزة كل الحدود، ليس فقط في عدده المهول من الشهداء والمصابين، بل في نوعيته الوحشية المنهجية: استهداف المستشفيات والمدارس، قصف الكنائس والمساجد، حرمان الأهالي من الماء والطعام والدواء، ومحاصرة الناس بين الركام والجوع والموت. تُقطع الكهرباء عن الحضانات، فتختنق الأطفال، ويُمنع الوقود عن سيارات الإسعاف، فينزف الجرحى حتى آخر قطرة من حياتهم. كل هذا أمام كاميرات العالم، وعلى مرأى من المؤسسات الدولية التي باتت تصدر بياناتها كمن يكتب نعيًا بلا دموع.

منذ متى أصبحت الأجساد الغزية مستباحة؟ منذ متى صار الألم الفلسطيني خبزًا يوميًا على الشاشات؟ هل اعتاد العالم هذه الهمجية حتى صارت لا تُحرّك فيه ساكنًا؟ أم أن دم الفلسطيني أقل شأنًا في ميزان العدالة الدولية؟ أين ذهبت مواثيق جنيف، ومجلس الأمن، ومحكمة الجنايات الدولية؟ لماذا تتحرك تلك المؤسسات فقط عندما يكون القاتل غير “إسرائيلي”؟

غزة ليست فقط مدينة أو جغرافيا محاصرة، إنها اختبارٌ صارخ لإنسانية هذا العالم. وكل يوم تمرّ فيه المجازر من دون محاسبة، هو سقوط أخلاقي لنا جميعًا، نحن الذين نكتب ونرسم وننشر ونصلي، دون أن نفلح في إيقاف النكبة المتواصلة. إن ما يحدث في غزة ليس نتيجة “صراع”، بل نتيجة استعمار عسكري استيطاني يرى في الفلسطيني عبئًا يجب التخلص منه، ولو بالدوس على أشلاء آلاف الأطفال.

ومع هذا كله، فإن غزة لا تنكسر. نعم، تُدمَّر، لكن لا تُكسر. سكانها يخرجون من بين الركام حاملين حجارة أرواحهم ليبنوا بها مجددًا. النساء في غزة يدفنّ أبناءهن ويواصلن إعداد الخبز لأطفال آخرين. الرجال المبتورو الأطراف يتكئون على ما تبقى من كرامة ليصرخوا: نحن هنا! والمقاتلون في غزة، أيا كان انتماؤهم، باتوا ضمير هذه الأمة، لا لأنهم يطلقون الصواريخ فقط، بل لأنهم يقفون بصدور عارية أمام أعتى آلة قمع في هذا العصر.

أيها العالم المتحضر، متى تُغلق السماء على الجراح؟ متى يتوقف هذا النزيف؟ متى تعود غزة لتتنفس؟ متى يكفّ الإعلام العالمي عن شيطنة الضحية وتبرئة الجلاد؟ ومتى يقرر بعض العرب أن فلسطين ليست “قضية للتفاوض”، بل جرح لا يندمل إلا بالحرية؟

ما يحدث في غزة اليوم ليس حدثًا طارئًا، بل لحظة تاريخية سيُسأل عنها كل من صمت أو برّر أو ساوى بين الضحية والجلاد. وكل شهيد يُدفن هناك، هو شهادة ولادة لوعي جديد، مفاده أن الصمت لم يعد ممكنًا، وأن البكاء وحده لا يكفي.

غزة تنزف، نعم، لكنها تُعرّي العالم أيضًا. وتذكرنا، كل يوم، أن الحق لا يُسترد بالاستجداء، بل بالصمود، وبالكلمة، وبالصوت، وبالنار إذا لزم الأمر.


فمتى تُغلق السماء على الجراح؟

  • – رانية مرجية – كاتبة وصحافية فلسطينية من الرملة .

شاهد أيضاً

الجمعية الوطنية للتأهيل تواصل جلسات الدعم النفسي للسيدات في غزة من خلال برامج علاجيه جديده

الجمعية الوطنية للتأهيل تواصل جلسات الدعم النفسي للسيدات في غزة من خلال برامج علاجيه جديده

شفا – في ظل الظروف الطارئة والصعبة التي يمر بها سكان قطاع غزة، تواصل الجمعية …