
تقديم لكتاب (الغد موعدنا .د. ميسون حنا) مجموعة قصة قصيرة ، بقلم : محمد فتحي المقداد
تشرفت بكتابة تقديم لكتاب (الغد موعدنا .د. ميسون حنا) وهو عبارة عن مجموعة قصة قصيرة
قطرة الدمِّ والقلم جدليَّة القوَّة والتسلُّط، والضَّعف والمقاومة؛ فعندما تُحاول نُقطة الحبر أن تتحوَّل إلى نُسُغ؛ فإنَّها تمدُّ الحياة بأسباب نمائها واِزْدهارها، وتصنع نسيجًا من الكلمات المُدْماة؛ لتحكي مأساة إنسانيَّة مغموسة بالألم والحزن والموت، وما قيمة الفكر والثَّقافة، ومُخرجاتها الكتابيَّة والتدوينيَّة. إذا لم تُعلن هويَّتها المُرتبطة بقضيَّة.
الكاتبة “ميسون حنّا” صاحبة قضيَّة، لا تُبارح ساحاتها على الرَّغم بعدها عنه؛ تتلمَّس أوجاع وطن سليب مليء بالآهات والأحزان، ومن خلال نصوص مجموعتها القصصيَّة “الغد موعدنا”؛ فالعنوان بحدِّ ذاته لوحة مُشرقة، ترسم الغد.. غَدَ الاِنْتصار والتحرير، إنَّها تضيء بهذه الجملة الاِسْميِّة المُعرَّفة عَتَمات اللَّيل، وتُمهِّد الطَّريق بالضِّياء لهذا الغد، والذي سيكون موعدًا للنِّزال، ومُناجَزَة العدوِّ. صاحب القضيَّة على أمَلٍ بل على يقينٍ دائمٍ، بأن النَّصر حليفه ولو بعد حين. بهذا المنحى تصير الثَّقافة والكتابة مُقاوَمة.
نصوص الكتاب تتمحور حول قضيَّة العودة أوَّلًا، والقضيَّة الثَّانية في تفصيلات الصِّراعات الاِجْتماعيَّة والأُسريَّة. فَتَحْتَ عنوان رئيس (العودة) جاءت تحته عناوين نصوص مرقَّمة (1-3):
(دمية شال.1)، و(عودة ملغومة.2)، و(عُدنا.3)، ومن ثمَّ تتابعت العناوين بعدها؛ تُناقِشُ بذات القضيَّة: (الموت الكريم)، و(أحلامٌ غزيَّة)، و(نور)، و(هواجس)، و(نُقطة تفتيش)، و(قَتَام).
دلالات لوائح هذه العناوين تنسحب للتعبير عن نصوص، تحكي قصص الخوف، والقلق، والموت، والدَّمار، والجوع والعطش، والفقر المُدقِع، وتنكفئ الحياة للبحث عمَّا يُقيت البُطون، ويحفظ البقاء فقط. ولم يعُد هناك من مُبرِّرات للدِّفاع عن شيء.
والقضيَّة الثَّانية الاِجْتماعيَّة؛ فتتمحور نُصوصها، وتغوص في القضايا الأُسريَّة، والاِنْحرافات جَرَّاء البطالة والتَّعاطي، جميعها تنطق باسم الفقر اللَّائحة الأبرز، وهناك تبرز المشاكل الاِغْتراب، وأثرها التربويّ على الزَّوجة والأولاد، وصراع الأجيال من خلال التفاوت بالنَّظرة إلى الحياة بين القديم المُحافظ الجامد، وبين الحديث المُنطَلِق في دروب الحياة.
بمتابعة للعناوين تقود القارئ إلى متاهات الخَلَل الاِجْتماعيِّ:
(المخلوع): يعالج قضيَّة التَّفاوُت في المستوى الثَّقافيِّ بين الزَّوج والزَّوجة، وتنهى حياة الأسرة بالمُخالَعَة.
(مناورة): طلبات البيوت التي لا تنتهي مع ضيق العيش والرَّواتب الضَّئيلة، والتي لا تتناسب مع عدد أفراد الأسرة، وغلاء المعيشة، والأب الذي أقلع عن التدخين؛ بإلحاح من زوجته لاستثمار ثمن الدُّخان في الأساسيَّات.
(غُربة): الزَّوج الذي سافر لسنوات طويلة، وعودته ليحصل التبايُن، وجمود الحياة العاطفية بينه وبين زوجته، والفجوة المُتباعدة مع أولاده الذين كبروا، عندما كان بعيدًا عنهم.
(مُراهَقة): موت الأمِّ، وتركت خلفها طفلة كبُرت، وكانت في بداية تفتُّحها ونضجها، ومشاكل المُراهقة، وحَيْرة الأب بتربية ابنته، والاِسْتعانة بخالتها، لمُساعدتها في توعية البنت المُراهقة، التي كانت نافذتها قُبالة نافذة جيرانهم، وتعلُّقها بابن جيرانهم.
(اللَّعب بالنَّار): الصِّراع بين القديم والجديد. الأب مُدرِّس للفنون التشكيليَّة، ينظر إلى حياته وذكرياته، ويقارنها مع طريقة أولاده في اللَّعب واللَّهْو، ومُمارسة نشاطاتهم.
(الخريف): الرَّجل العجوز يحتسى مرارة حياته على ذكرى زوجته الرَّاحلة.
(اِحْتراق): الغيرة والحسد ونتائجهما على الأفراد والجماعات، واِنْعكاساتها على واقع حياتهم.
هذه الطَّائفة من النُّصوص؛ تلفت النَّظر إلى الزَّوايا المُعتمة في سُلوكات الأفراد، والأُسَر، والجماعات البشريَّة، وإن اِخْتلفت البيئات؛ فتأثيرات وسائل التواصل الاِجْتماعيِّ، اِنْعكست بآثارها السلبيَّة على حياتهم بشكل عامٍّ.
جميع النُّصوص بواقعيَّتها الاِجْتماعيَّة، جاءت لِتُعالج خفايا منسيَّة في زحمة الصِّراعات، وقد كان الدَّوْر الأبرز لِلُّغة السَّلِسة في التعبير عن مكنونات الكاتبة، وهي تسعى للتأشير في سبيل الإصلاح والمُعالجة.
الجدير بالذِّكر أنَّ جميع نُصوص المجموعة؛ تحكي بأنَّ الكاتبة “ميسون حنَّا” مُنتمية إلى قضيَّة، لا تُفارقها في جميع كتاباتها السَّابقة، وتبيَّن ذلك من خلال مُتابعتي بقراءة مُنتَجها الفِكريِّ القصصيِّ، والمسرحيِّ، ونُصوص الخواطر.
محمد فتحي المقداد. سوريا