
نتنياهو لن يتوج ملكاً لإسرائيل وترامب لن يتوج ملكاً للعالم ، بقلم : راسم عبيدات
الواضح من الرشقة الصاروخية الحادية عشر التي كان فيها ” المطر الصاروخي” الإيراني،يغطي مساحة فلسطين التاريخية من اشدود جنوباً وحتى نتانيا شمالاً ،والتي تساقطت فيها الصواريخ في القدس وتل ابيب و”شارون” و”شومرون” ،والأهم قصف قاعدة “ميرون” في اقصى شمال فلسطين بصاروخ “فتاح” الإيراني،ذو القوة التفجيرية الهائلة،حيث باتت الصواريخ تتساقط،دون قدرة لمنظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي والأمريكي متعددة الطبقات على صدها واعتراضها ،وقاعدة “ميرون”،هي قاعدة للرصد الألكتروني والمراقبة الجوية،وتستخدم للمراقبة الجوية والبرية في سوريا ولبنان ،وهي جزء من منظومة القيادة والسيطرة،ويوجد فيها رادارات وانظمة تشويش واتصالات عسكرية حساسة.
المهم أن اسرائيل بدون تدخل عسكري امريكي مباشر،لن تكون قادرة على حسم المعركة،فالأهداف التي حددتها بإغتيال المرشد الأعلى علي خامينائي،والذي رد على تلك التهديدات بالقول بأن عمره 86عاماً،والحياة بالنسبة له لا تساوي قيمة نظارته ،اما الأهداف الأخرى المتعلقة بتدمير منشأة “فوردو” النووية،والتي تقع على عمق مئات الأمتار تحت الأرض،والقضاء على البرنامج النووي الإيراني والمنشأت النووية بشكل كامل،وتدمير قدرات ايران الصاروخية،وصولاً الى اسقاط نظام الحكم والدولة الإيرانية،فأعتقد بأن اسرائيل اعجز من ان تحقق تلك الأهداف.
نتنياهو الذي تبجح بعد الليلة الأولى بما تحقق له من انجازات كبيرة،بالقول أنه بات قريباً جدا من تحقيق النصر وتغيير النظام في طهران،وزهوه كالطاووس،ومشاركة ترامب له الفرحة بالقول، بأن ايران تسحتق هذه الضربة،لكونها لم تستجب لشروطه،فيما يتعلق بعقد اتفاق نووي، لا يضمن لها امتلاك تقنية التخصيب لليورانيوم للأغراض السلمية.
ولكن مع دخول الحرب بين ايران واسرائيل مرحلة الإستنزاف،تجعل الكفة تميل لصالح ايران،حيث ايران وعدد سكانها ومساحتها والجانب العقدي،وتجربة ايران في الحصار الطويلة لمدة اربعين عام،والحرب التي دفعت بالعراق لشن العدوان عليها لمدة ثماني سنوات،بتحريض امريكي وعربي رسمي،قادرة على الصمود لأطول مدة ممكنة،حيث بدأت تظهر التذمرات في الجانب الخدمي والمعيشي،وبوادر انهيار وعدم تماسك في الجبهة الداخلية الإسرائيلية،وأيضاً الدمار الذي طال مؤسسات ومنشأت عسكرية وأمنية حساسة،يصعب اصلاحها خلال الحرب،ويبدو بأن الصواريخ الإيرانية المتطورة،لم يعد هناك قدرة لمنظومات الدفاع الجوي على اعتراضها،وباتت الطريق أمام ايران مفتوحة،لكي تصل الصواريخ البالستية والفرط صوتية والمسيرات الى اهدافها،فهناك نقص هائل في منظومة الصواريخ الجوية الإعتراضية،وخاصة “سهم 1 ” و”سهم 2″ و”الثاد” الأمريكية،وباتت تسقط الصواريخ بدون صافرات الإنذار،وطول حرب الإستنزاف،يجعل ما تحقق لإسرائيل في اليوم الأول من العدوان يتأكل،وتغير ميزان وكفة الحرب ورجحانها لصالح ايران،حيث التقديرات تشير الى ان اسرائيل لن تصمد اكثر من 12 يوم بدون تدخل امريكي عسكري مباشر، في الوقت الذي يتردد فيه ترامب ،صاحب فكرة الحرب والشريك في التخطيط لها،عن الإنتقال من الحرب الدفاعية الى الحرب الهجومية،وايران تعلن انها لن ترضخ لخيار الإستسلام النووي.
التدخل الأمريكي بشكل مباشر وكلي في الحرب لصالح اسرائيل،هو حاجة اسرائيلية،ولكنه بالنسبة لأمريكا مغامرة خطرة،ومثل هذا الخيار ،قد يدفع بطهران نحو قصف واستهداف كل القواعد والوجود الأمريكي في الخليج والعراق،والذهاب نحو خيار انتاج السلاح النووي،واغلاق مضيق هرمز وزرع الألغام البحرية فيه،بما يجعل التداعيات كبيرة على اسواق الطاقة والتجارة الدولية واسعار النفط والغاز ،وعلى الإقتصاد العالمي.
ترامب هذا المأفون،يبدو أنه اسير الدولة العميقة والمحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية واللوبيات الصهيونية، فهو يدلي بالتصريح وبعد ساعات،يدلي بتصريح مضاد،حيث قال بأنه يعمل من أجل التوصل الى حل سلمي،ينتج اتفاقاً مع ايران حول برنامجها النووي،ولكن وجدنا انه صعد من لهجته العدوانية،وتحدث وأدلى بتصريحات وأعطى اشارات،بأن الضربة العسكرية الإسرائيلية باتت ممكنة،ولتبدأ اسرائيل بقرار ومشاركة امريكية في شن عدوان واسع على طهران،فجر الجمعة 13/6/2025،عدوان مركب جوي واستخدام المسيرات ،وتفعيل شبكة عملائها في الداخل الإيراني،والذين ركزوا على تطبيق النموذج الذي اتبعته اسرائيل ضد حزب الله،بإستهداف منظومة القيادة والسيطرة،عبر إغتيال وتصفية القيادات العسكرية والأمنية للحزب،وتفجير ” أجهزة” البيجر” و” الأيكوم،مع القيام بإستخدام “عقيدة الضاحية”،التدمير الممنهج للبيئة الحاضنة والبيئة الشعبية،حيث تمكنت المجموعات المعارضة المرتبطة ب” الموساد” الإسرائيل،والتي تم نقلها الى مدينة اربيل العراقية،ومن ثم تم ادخالها الى داخل ايران،وهي التي تسببت بالخسارة الأليمة والكبيرة في الليلة الأولى للعدوان على ايران،فقد جرى اغتيال وتصفية العديد من القيادات العسكرية والأمنية الوازنة،مثل رئيس الأركان وقائد الحرس الثوري ومجموعة أخرى بالإضافة لعدد من العلماء النوويين،ولكن الفارق مع النموذج الذي جرى استخدامه ضد حزب الله، بأن ايران كدولة استطاعت ان تستوعب الضربة في زمن قياسي،وتملأ الفراغات في الهرم القيادي .
مع نهاية الليلة الأولى للهجوم المباغت والواسع،استطاعت ايران ان تحقق توازن النار والدمار،وفي الليلة الثانية،انتقلت إلى تحقيق التعادل النسبي في الأهداف الإستراتيجية والحيوية التي جرى قصفها وتدميرها،ومن بعد ذلك انتقلت ايران الى شل فاعلية قدرات الإعتراض لمنظومات الدفاع الجوي الإعتراضية،بمختلف نوعياتها ومدايتها،ولعبت ايران على وتر استنزاف تلك المنظومات،بتقليل عمليات إطلاق الصواريخ وزيادة إطلاق المسيرات لمشاغلة تلك المنظومات الدفاعية الجوية،مع التركيز على تحسين نوعية الصواريخ التي يتم إطلاقها،ودقتها وزيادة حجم قوتها التفجيرية.
ترامب الذي انسحب من قمة الدول الصناعية السبعة،ودعا سكان طهران الى اخلائها،وبأنه سيشارك في الحرب بشكل مباشر الى جانب اسرائيل،وسيستخدم السلاح النووي،ودعا طهران الى الإستسلام النووي،ولكن طهران ردت بشكل حاسم وحازم،بأنها ستقاتل حتى النهاية،ولن تتراجع عن شروطها في أي اتفاق نووي،وقضية إمتلاك التخصيب،قضية مبدئية لا يمكن التنازل عنها.وهي ستقاتل حتى النهاية،وبعد هذا الموقف الإيراني،دعا ترامب اسرائيل وايران الى التفاوض،وطلب من مبعوثه الخاص ويتكوف ونائبه فايس لإستكشاف عقد جولة من المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني.
التحليل الملموس لواقع الملموس،يقول بأن نتنياهو لن يغير وجه الشرق الأوسط،ولن يتوج ملكاً على اسرائيل،ولن ينجح لا في اسقاط الحكم ولا الدولة الإيرانية،ومن شعار تحقيق الإنتصار الساحق الى شعار الصمود،ما قبل الذهاب الى خيار الترنح والإنهيار،وكذلك بالنسبة لترامب،فهو لن يتوج ملكاً لأمريكا،ولن ينال ما يعرف بجائزة نوبل للسلام، فأمريكا دورها على الصعيد العالمي يتراجع بشكل كبير.
فلسطين – القدس المحتلة