12:19 صباحًا / 18 يونيو، 2025

“الوطن في التنك… والكرامة في الجالون!” بقلم : المهندس غسان جابر

“الوطن في التنك… والكرامة في الجالون!” بقلم : المهندس غسان جابر

في هذه البلاد، لا تحتاج إلى كثير من الفلسفة لتفهم كيف تُهان الكرامة على مذبح “لتر بنزين أو سولار “. يكفي أن تزور محطة وقود لتشاهد عرضًا يوميًا للأنانية المتفجرة، بطولة “الجالون الأصفر”، وإخراجٍ ساخر تحت لافتات “محطة وقود”.

لكن لا تخدعك هذه اللافتات فالمواطن بين تلك المحطات يُخمد بطفاية الحريق، ويُدهس مواطن آخر بين سيارتين تصارعتا على من وصل أولًا لتلك المحطة ، أما في محطة وقود أخرى فهناك مواطن آخر من يُسأل… بل ربما صار مجرد محطة مهجورة في ذاكرة الوقود.

يبدو أن كل مواطن اليوم يحمل في سيارته جالونًا أصفر اللون، رمزًا جديدًا لـ”الذكاء الاجتماعي الفتاك”. لا أحد يسأل: لماذا أعبئ التنك كاملاً ثم ألوّح بالجالون؟! لأن الجواب بسيط جدًا: “مصلحتي أهم من الجميع، حتى من الوطن!”

وفي المشهد الأخير من هذا السيرك المجتمعي، وبعد أن تُخمد الشجارات، ويُسعف المصابون برذاذ الطفايات، يُعلن أحدهم بصوتٍ مبحوح:


“وحدوا الله يا جماعة… وصلّوا على النبي!”

يا لسخرية القدر! توحيد الله بات الفاصل بين مشاجرة على بنزين وبين هدنة أخلاقية مؤقتة، نكسرها في اليوم التالي.

اقتراحات حلول… (ساخرة قليلاً، واقعية جدًا):

  1. خُذ جالونك… وسجّل عَيبك:
    من يحمل جالونًا بعد تعبئة التنك، تُمنع عنه الخدمة أسبوعًا، وتُعرض صورته في محطة وقود على شاشة “أخلاقيات المواطن”.
  2. بطاقة تموين أخلاقية:
    كل مواطن يُعطى نقاط سلوك. من يصرخ، يشتم، أو يتجاوز الدور، يُخصم من بنزينه قبل أن يُخصم من كرامته.
  3. قسم شرطة عند كل مضخة:
    بدل أن يُخصص عناصر الشرطة لمرافقة كبار المسؤولين وحماية مواكبهم، فليتفضل بعضهم إلى محطات الوقود. هناك، حيث تُهان الكرامة وتُغتصب الأدوار، نحتاج لشرطي ينظم الدور، لا “خطاب وطني” يُلقى في نشرة اخبار لا يتابعها احد.
  4. مضخة “الوطن أولًا”:
    خصصوا محطة تعبئة مجانية، لا تُعبئ السيارات بل تُعبئ الأخلاق… نحتاجها أكثر من البنزين.

نقول :

في هذا البلد، اختُزلت المعركة بين الجالون الأصفر والراية البيضاء. فإما أن تعبئ وتنسحب، أو تشتبك وتدّعي الوطنية. وبين هذا وذاك، هناك مواطن بسيط، يقف في الطابور بلا صوت، ويغادر بلا بنزين… لكنه وحده من يستحق أن يُسمى “ابن وطن”.

م. غسان جابر – مهندس و سياسي فلسطيني – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية – نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية و البلدة القديمة في الخليل.

شاهد أيضاً

الاحتلال يقتحم بلدة يعبد

شفا – اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، بلدة يعبد، جنوب غرب جنين. ووفقا لمصادر محلية، فقد …