
غرباء ..في زمن كنا نعرفه ، بقلم : هدى زوين
لا أدري كيف أبدأ.
أهي الحيرة؟ أم الشعور بأن الكلمات، مهما كثرت، تبقى قاصرة عن وصف ما يجري في دواخلنا؟
أشعر وكأن الأرض لم تعد تدور بتؤدة كما عهدناها، بل تسابقنا بخطى متسارعة، وتدفعنا معها نحو مفاهيم لم نكن نحسب لها يومًا حسابًا.
في زحمة هذا الزمن، تغير كل شيء.
صرنا نعيش أعمارنا على وقع الصدمات، لا الأحداث. تبنينا أفكارًا نشأت من الوجع، لا من الحكمة. ولم نعد نُعرّف الأشياء كما كنا نفعل، بل كما فُرض علينا أن نفهمها.
كان الحب بساطة، فأصبح معادلة.
وكان الصدق وضوحًا، فصار يُقرأ بين السطور.
وكان الإيمان طمأنينة، فبات سؤالًا يؤجل إجابته.
لم نعد كما كنّا. والاعتراف بذلك لا يُعد ضعفًا، بل شجاعة.
لقد تغيّرنا. لا لأننا أردنا، بل لأن الزمن ذاته تغيّر. لأننا عشنا انكسارات، ومررنا بتجارب نضجت فينا على نارٍ هادئة.
تغيّرنا حين اكتشفنا أن الطيبة لا تُفهم دائمًا، وأن النقاء يُستهلك سريعًا.
تغيّرنا حين رأينا من ظنناهم أوفياء، أول المغادرين.
لكن، ورغم كل هذا، ما زال فينا بقايا نقاء، وبذور أمل لا تموت.
قد نكون تعبنا، ولكننا لم ننكسر.
قد نكون شككنا، ولكننا لم نفقد الإيمان كليًا.
قد نكون صامتين، ولكن في صمتنا حكمةٌ تنتظر لحظة الكلام.
فالمؤلم ليس أن تتغير الحياة، بل أن نظل نبحث عن ذواتنا فيها دون أن نجدها.
والمؤلم أكثر… أن نكتشف أننا كنّا نحارب لنعود إلى أنفسنا، لا لنغيّرها.
لعلنا في لحظة هدوء، بين كل هذا الضجيج، نلتقط أنفاسنا، ونستعيد جوهرنا.
فما نحن عليه اليوم، ليس النهاية. بل بداية جديدة، نكتبها نحن، لا ما فرضه الزمن.