
غروب يوسف زبيدات ، عطر اللقاء ودفء الأثر ، بقلم: د. تهاني رفعت بشارات
بعض اللقاءات كالشمس حين تميل نحو الغروب، لا تودّع المكان إلا وقد سكبت عليه دفئها ولونها وحنينها. وبعض الوجوه تأتيك في يوم عادي، فترتّب لك الفرح وتوقظ فيك شعوراً جميلاً بأنك لم تكتب عبثاً ، ولم تعبر الحياة سُدى. كذلك كان لقائي بـ غروب يوسف زبيدات… تلك الروح الطيبة، والابتسامة النقية، والوجه الذي يشبه صباحاً بكراً لم تمسه الأحزان.
كنت في طريقي إلى جامعة النجاح الوطنية، تمضي خطواتي كعادتها، وأحمل في قلبي يقيناً بأن للّقاءات الطارئة حكماً خفياً، وكم صدق الحدس هذه المرة! فما إن عبرت بوابة الجامعة حتى لمحت وجهاً يهرول نحوي، وجهٌ كأنّي أعرفه من سطور محبّةٍ كتبها لي الزمن. فتاة جميلة مفعمة بالحيوية والخلق، تسابق خطواتها قلبها للوصول إلي. وما إن اقتربت حتى فاضت بكلماتها علي كنبع رقراق:
“دكتورة تهاني، كيفك؟ أنا من أشد المتابعين لك، أحب كتاباتك كثيراً، وتأثرت بها جداً…”.
لم تكن مجرد كلمات، بل كانت موجة دفء سرت في روحي، كمثل نسمة خفيفة في ظهيرة صيفية، تلمس القلب وتربّت على وجعه، وتقول له: “ما تكتب، يصل… وما تعطي، لا يضيع”.
تلك اللحظة الصغيرة التي استظلت بابتسامتها الصادقة كانت لي بمثابة شهادة حبّ من قارئة تعرف كيف تصنع الكاتب من جديد. قالت لي: “أنا فخورة بلقائك، وسعيدة جداً أنّي التقيت بك اليوم، وازداد فرحي لما تصورنا سوياً…”. كيف لي أن أصف حجم التأثير الذي تركته في نفسي؟! لقد جعلتني أعي حقاً أن الكتابة ليست فقط حروفاً على الورق، بل جسور تصل بها إلى الأرواح، وأن الإنسان ليس إلا صدى محبّة، وأثراً يمرّ في القلوب ويظل فيها.
وغروب… ما أروع اسمها! وما أجمل وقع حضورها… فتاة يليق بها أن تُذكر بين السطور كواحة إيمان، فهي حافظة لكتاب الله، وطالبة ماجستير، تجمع بين نور العلم ونور حفظ كتاب الله، وترتدي ثوب الطُهر والعزم كأبهى ما يكون. كانت كلماتها لي كهدية من السماء، تؤكّد لي أنّ الطريق الذي اخترته، رغم كل ما فيه من تعب وغربة، هو طريق يستحق، وأن القلم حين يُستخدم في الخير، يصبح مثل غيمة تمطر على القلوب، وتزهر بعدها السنابل.
وكم شعرت بالفخر حين قالت: “أنتِ قدوتنا، وفخر إلنا.”
فأيّ فضل أعظم من أن تكون لك في قلوب الآخرين صورة جميلة، وكلمة تُذكر في غيابك، ودعوة تُرفع دون أن تدري؟
يا غروب، يا من حملتِ اسم المساء وضياء الفجر معاً،
شكراً على هذا اللقاء الذي خطّه القدر ليكون من أجمل ما حَفِظَتْه ذاكرتي.
شكراً لأثرك الطيب، ولسُموّ مشاعرك، وللكلمات التي بعثت الحياة في قلبي.
حقاً… إنما الإنسان أثر،
وكم كان أثرك كوشم نورٍ على دربٍ طويل، لا يُمحى ولا يُنسى.
دمتِ فخراً، ودام حضورك بيننا جَمالاً يُروى، ودعاءً يُرفع.