5:45 مساءً / 23 أبريل، 2024
آخر الاخبار

موطئ قدم عربي لم تحتله إيران بقلم : علي الصراف

موطئ قدم عربي لم تحتله إيران بقلم : علي الصراف

مشاريع التعاون والعمل المشترك التي بحثتها القمة الثلاثية لقادة مصر والأردن والعراق في بغداد، تعني الكثير بالنسبة للأواصر التي تجمع بين الدول الثلاث.

كما تعني الكثير بالنسبة للمصالح الاستراتيجية المشتركة، ولآفاق المستقبل، إلا أنها تعني شيئا آخر أيضا، هو أنها تحتل، في العلاقة مع العراق، ما لم ترغب، وما لم تستطع إيران احتلاله.

على امتداد 18 عاما اكتفت إيران ومليشياتها بنهب العراق وتخريبه اقتصاديا وتمزيقه اجتماعيا وعزله سياسيا عن محيطه الطبيعي.

ولقد كان الفساد، بأرقامه الفلكية، هو العنوان الرئيسي، إن لم يكن الوحيد، للدور الإيراني في العراق.

وبحسب شهادات كبار المسؤولين، ومن بينهم وزراء ورؤساء للوزراء، فقد أدت أعمال الفساد التي رعتها التنظيمات التابعة لإيران، من داخل وخارج المؤسسات الحكومية، إلى تبديد مئات المليارات من عائدات النفط العراقي، بينما ظلت البلاد تعاني العوز في كل شيء تقريبا، وظل الفقر يطحن الملايين، وظلت البطالة تسحق أكثر من 20% من الأيدي العاملة، وبخاصة بين الشباب، وعم الفشل في كل منحى من مناحي الحياة، وتراجعت الخدمات الأساسية، في الصحة والتعليم والبنية التحتية، إلى مستويات لا تمكن مقارنتها حتى بنصف قرن ضاع من الزمان.

لقد حقق العراق منذ غزوه في العام 2003 من جانب الولايات المتحدة ومليشيات إيران دخلا من عائدات النفط يبلغ نحو 1.4 تريليون دولار، كانت تكفي لإعادة بناء ما تهدم في العراق خلال كل عقود الحروب الطويلة التي خاضها منذ العام 1980. إلا أن أكثر من ثلث هذه الأموال تبدد على مشاريع وهمية لصالح شركات إيرانية وهمية، تقبض الأموال ولا تنفذ ما تعاقدت عليه. وضاع ثلث آخر على مشاريع تسلح ومشتريات عسكرية، انتهى الكثير منها إلى أيدي منظمات الإرهاب، بما فيها تنظيم داعش، بينما لم يكف الثلث الباقي لتسديد فاتورة المؤسسات الحكومية التي تضخمت هي نفسها بعشرات الآلاف من الموظفين الوهميين، الذين كانت تذهب رواتبهم إلى جيوب قادة المليشيات، ومنهم إلى إيران. حتى ليبدو أنها فرضت هيمنتها على العراق لتجعله كنزا مفتوحا لكل وجه من أعمال النهب.

إيران، لأسباب عقائدية، لم يكن بوسعها أن تفعل ألا ما فعلته. فالغاية من تخريب العراق، مصلحة قائمة بذاتها.

وهو ما يعني أنها امتنعت، لأجل هذه الغاية بالذات، أن تحتل موطئ القدم الطبيعي للعلاقة بين دولة وأخرى.

هذا النمط من العلاقات (بين دولة وأخرى) لم يكن مطلوبا من الأساس. إيران المليشيات، إنما تحالفت مع عراق المليشيات. لا الدولة هنا كانت من لزوم ما يلزم، ولا هناك. وفي الواقع، فهذا هو ما ظلت إيران تفرضه في كل مكان امتدت يدها إليه: مليشيات في موازاة روابط مقيتة مع مليشيات مثلها.

القمة التي جمعت بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس العراقي برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في بغداد، كانت بالأحرى قمة مشاريع بناء، كل سطر فيها هو إدانة لعقدين من الهيمنة الإيرانية على مقدرات العراق؛ وكل كلمة فيها هي علاقة عمل مشترك يقصد تبادل الإمكانيات والمنافع والخبرات؛ وكل حرف فيها هو من أعمال المسؤوليات بين دولة ودولة التي لا يمكنها أن تترك فراغا لأعمال الفساد.

طرق برية، وخطوط للربط الكهربائي، وخط جديد لنقل النفط يصل بين العراق والأردن ومصر، وأنظمة لنقل البضائع والأفراد، وتبادل السلع، وتعزيز الأمن الغذائي، وبناء منشآت جديدة في مجالات توريد الغاز وصناعة البتروكيماويات، وتوفير الخدمات الصحية وصناعة الأدوية، إلى غيرها من الأعمال المشتركة، إنما تقول إن العلاقات التي تُبنى بين دولة ودولة، ليست كالعلاقات بين مليشيات ومليشيات. الأولى تبني وتخدم المصالح المشتركة، والثانية تهدم وتخدم مصالح الترهيب والإرهاب.

مصر والأردن لا تأخذان في العراق شيئا كان يمكن لإيران أن تأخذه. وهما يعطيان إلى العراق ما عجزت إيران أن تعطيه.

الرئيس السيسي والملك عبد الله الثاني جاءا إلى العراق ليقدما، ضمنا، دلائل الاحترام لدولة يعرفان قيمتها. بينما ظلت إيران توفد أشخاصا من قبيل قاسم سليماني وإسماعيل قاآني ليقدما دلائل الاستهانة والاستخفاف. وهذا فرق لا تصح حتى المقارنة فيه.

مصر والأردن في موطئ قدم عربي، في بلد عربي، لم يكن بوسع دولة المليشيات في إيران أن تحتله من الأساس. ولا شيء يبرر الافتراض أن هناك “منافسة” أصلا. حقول النهب والتخريب التي تلعب بها إيران، بعيدة تماما عن حقول البناء والمصالح المشتركة التي يُرسيها التعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث. تلك شيء، وهذه شيء آخر.

فإذا اكتشفت إيران “فرصة ضائعة”، فآخر من يحق له أن يبكي عليها هو إيران.

شاهد أيضاً

وزير الزراعة يبحث مع مدير عام بنك الاستقلال للاستثمار والتنمية آفاق التعاون المشترك

شفا – بحث وزير الزراعة البروفيسور رزق سليمية، اليوم الاثنين، سبل وفرص التعاون مع مدير …