3:23 مساءً / 19 أبريل، 2024
آخر الاخبار

المسكوت عنه في المجادلات الفلسطينية ، بقلم : ماجد كيالي

المسكوت عنه في المجادلات الفلسطينية ، بقلم : ماجد كيالي

اعتادت الفصائل الفلسطينية في اجتماعاتها، ولقاءاتها المتكررة والمتقطعة، مناقشة ذات المسائل التي كانت ناقشتها في المرات السابقة، مثل: السعي لإنهاء الانقسام، والمصالحة بين فتح وحماس، وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية، وإصلاح وتفعيل منظمة التحرير، وواقع السلطة، ومواجهة التحديات الإسرائيلية، وتعزيز صمود الفلسطينيين في الضفة وغزة، وكلها مسائل على غاية في الأهمية طبعا.

بيد أن تلك الفصائل اعتادت، أيضا، التهرب من مناقشة مسائل كثيرة، ومهمة، ومؤثّرة، رغم خلافاتها وتنافساتها ومشاكلها البينية، ورغم انقسامها بين قطبين مهيمنين، هما “فتح”، وهي قيادة المنظمة والسلطة في الضفة الغربية، و”حماس”، وهي السلطة في قطاع غزة.

ويمكن تمثل أهم المسائل المسكوت عنها في المجادلات الفصائلية في الآتي:

أولا، في الاجتماع السابق لقادة الفصائل الفلسطينية (3/9) ربما أن الكثير من الفلسطينيين فوجئوا بوجود 14 كيانا سياسيا شارك في ذلك الاجتماع (بين بيروت ورام الله)، هي فتح وحماس، والجبهات: الشعبية والديمقراطية والنضال الشعبي والتحرير والعربية والفلسطينية والقيادة العامة، وحزبا الشعب وفدا، والمبادرة الوطنية والصاعقة والجهاد الإسلامي، في حين امتنعت أربعة فصائل في الخارج (موالية للنظام السوري) عن المشاركة، هي فتح الانتفاضة وجبهتا التحرير والنضال والحزب الشيوعي الثوري؛ ما يفيد بوجود 18 كيانا سياسيا، وإذا احتسبنا ستة كيانات سياسية لفلسطينيي 48 (4 في القائمة المشتركة هي الجبهة، والتجمع، والقائمة الإسلامية، والحزب العربي، مع أبناء البلد والحركة الإسلامية الجنوبية)، يصبح لدينا 24 كيانا سياسيا للشعب الفلسطيني (عدد الفلسطينيين 13 مليون نسمة في الداخل والخارج).

وبديهي أن القصة لا تتوقف على عدد الكيانات السياسية، وإنما هي عن جدوى وجود ذلك العدد من الكيانات السياسية، والآليات التي تسمح لها بالاستمرار، علما أن معظم تلك الكيانات لم تعد لها هوية سياسية أو فكرية تميزها عن غيرها، وأن معظمها لم يعد لها وجود لا لجهة التمثيل في مجتمعات الفلسطينيين في الداخل والخارج، ولا في ميدان الصراع ضد إسرائيل. وفي الواقع فإن معظم تلك الكيانات (أو الفصائل) تعيش على تاريخها، وتستمد وجودها في الخريطة الفلسطينية من تمحور بعضها لصالح حركة فتح، وبعضها الآخر لصالح حركة حماس، أي أنها تعيش على هامش الانقسام بين الفصيلين الكبيرين، كما أن بعضها الآخر يستمد وجوده من علاقته بالنظام السوري.
وفي المحصلة فإن معظم تلك الكيانات تستمد شرعيتها من نظام المحاصصة الفصائلي “الكوتا”، الذي أكل عليه الدهر وشرب، وهو نظام مستمد ممّا يسمى مرحلة “الشرعية الثورية”، التي انتهت منذ زمن طويل؛ منذ تحول الحركة الوطنية الفلسطينية من حركة تحرر وطني إلى سلطة، بموجب اتفاق أوسلو (1993)، لاسيما أن نظام المحاصصة يتناقض مع نظام الانتخابات.

وربما يجدر التذكير بأن الانتخابات التشريعية الثانية (2006) بينت فشل معظم تلك الفصائل في الحصول على مقعد واحد في المجلس التشريعي، وأن حركتي فتح وحماس احتلتا غالبية المقاعد، في حين حصلت الجبهة الشعبية على ثلاثة مقاعد، بينما حصلت ثلاثة كيانات هي الجبهة الديمقراطية وحزبا فدا والشعب على مقعدين فقط، وثمة قائمة الطريق الثالث وحصلت على مقعدين، والمبادرة والمستقلين على مقعدين. ولا يبدو أن هذا الواقع سيتغير كثيرا في أية انتخابات قادمة، إلا ربما فيما يتعلق بزيادة عدد المستقلين.

لذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا لا يتم إنهاء هذا الوضع الشاذ؟ فإذا كانت “فتح” تمثل التيار الوطني، و”حماس” تمثل التيار الإسلامي، والجبهة الشعبية أو الديمقراطية والجبهة تمثل التيار اليساري، فلماذا لا تتوحد التيارات الوطنية في إطار فتح، والتيارات الإسلامية في إطار حماس، والتيارات اليسارية في إطار الجبهة الشعبية أو الديمقراطية أو الجبهة، مع علمنا أن أي توحد لا يفترض التطابق، لاسيما أن الخلافات والتيارات موجودة أساسا داخل كل كيان سياسي؟

ثانيا، كما شهدنا في الاجتماع المذكور، إذ رغم كل الاتهامات، بل والتخوينات، التي تم تبادلها بين هذا الفصيل أو ذاك طوال الفترات السابقة، واستنزفت الشعب الفلسطيني، وزادته إحباطا، إلا أن ذلك الاجتماع لم يشهد طرح أي سؤال، أو أية قضية خلافية، كما لم تجر أية مراجعة للتجارب والخيارات السابقة. هكذا، ففي كل مرة يجري غض النظر عن إخفاقات 55 عاما، من الأردن إلى لبنان، إلى الضفة وغزة، في المنظمة والسلطة، وفي خيارات الكفاح المسلح والانتفاضة والمفاوضة، والحديث يتعلق بمسؤولية البعد الذاتي، ومسؤولية القيادة، عن تلك الإخفاقات والخيارات، لاسيما مسؤوليتها عن التحول من حركة تحرر وطني إلى سلطة تحت الاحتلال.

ثالثا، أيضا، رغم كل حال الترهل والتآكل والفساد في البنى السياسية الفلسطينية (في المنظمة والسلطة والفصائل)، والتي يجري الحديث عنها في المجالس المغلقة، إلا أن كل الاجتماعات التي تحصل بين قادة الفصائل تتجاوز هذه المسألة أو تسكت عنها، علما أن ذلك أصاب الحركة الوطنية الفلسطينية في مقتل، وأثر على أهليتها الكفاحية، وقد شهدنا ضعف الاستجابة لنداء ما يسمى “القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية”، في الخروج في مظاهرات يوم 15 سبتمبر الماضي، وكل ذلك بسبب الفجوة بين الفصائل والشعب، وبسبب تآكل مصداقية تلك الفصائل وضعف أهليتها الكفاحية.

مرة جديدة يفترض التأكيد أن الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة التي انطلقت في منتصف الستينات، والتي بلغ عمرها أكثر من نصف قرن، مع تجربة غنية، وباهظة الثمن، باتت منذ زمن إزاء لحظة الحقيقة، فهي لم يعد لديها ما تضيفه، سوى تمكين أجيال جديدة من الفلسطينيين، وفقط، ومن دون ذلك لن يسامحها التاريخ.

شاهد أيضاً

محافظ جنين كمال أبو الرب يستقبل وفداً من لجان المقاومة الشعبية في شمال الضفة

شفا – استقبل محافظ جنين كمال أبو الرب في دار المحافظة، وفداً من لجان المقاومة …