نريدها مصالحة حقيقية تؤكد حقيقة الاحتفال بقلم : د. صلاح العويصي
سنوات من الانقسام ، تجللت بسواد قاتم ، مظلم وظالم لكل مكونات شعبنا ، تجارة كاسدة و أنفس متعبة ومرهقة ،فقر يطوف بالمنازل وطوابير العاطلين عن العمل تزيد ولا تنقص ، الاف الخريجين فقدوا الأمل في مستقبلهم وتغيرت أولوياتهم ، عائلات لا تكاد تجد قوت يومها ، تسول الحرائر متخفية تحت نقاب لم يمنع حراب العيون عنها ، انتشار المخدرات والجريمة والانتحار وتفكك لمنظومة مجتمعية بأكملها ، حيث تبدلت القيم و امتزجت معايير الأخوة والصداقة والجوار بالمصلحة والخوف والقلق ، آلاف من الشباب لا يعرفون وجهتهم ولا يرون في الاجتهاد والعلم سبيل لهم حيث التجارب المأساوية تمر من أمامهم ظفتحيل كل شيء أمامهم الى ضباب بلا ملامح ولا حدود … إنه الضياع يا سادة بمعناه الحقيقي والمتجلي في كل زقاق وشارع .
في وسط هذا الزحام من اليأس والإحباط استبشرت جماهيرنا خيراً بما تم من لقاءات وما أعلن عنه حيث المهرجان المرتقب، ولكن بحذر حيث التجارب المريرة السابقة من جولات الحوار والاتفاقيات وحفلات التوقيع ، ولكن بنظرة تحليلية أتساءل قبل أن يقام المهرجان الموعود :
هل تم الاتفاق على كافة التفاصيل التي كانت عائقاً في المرات السابقة ؟ وهل تم الاتفاق على التحاق الكل الفلسطيني بمنظمة التحرير كخطوة على طريق اصلاح مؤسساتها ؟ هل تم الاتفاق على توحيد الكادر الوظيفي للعسكريين والمدنيين ؟ هل تم الاتفاق على أن ترد مظالم الموظفين المقهورين ممن قطعت رواتبهم وحرموا من أدنى الحقوق التي ينص عليها القانون المخترق ممن وضعوه ؟ هل تم الاتفاق على توحيد الجهود الصحية لرعاية وعلاج المئات من مصابي السرطان والمرهونين على قوائم الانتظار ليأخذوا جرعات العلاج الكيميائي ؟ هل تم الاتفاق على اجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني ؟ هل تم الاتفاق على توحيد جهود الوزارات الخدماتية كمقدمة للمصالحة هل غادر آخر سجين سياسي معتقله في رام الله أو في غزة ؟ اذا لم يتم كل هذا فنحن كمن يقيم عرسه قبل الخطوبة .
ما يؤكده الناطق باسم حماس بأن موافقة حماس على إقامة المهرجان الوطني المرتقب في غزة جاءت انطلاقا من استراتيجيتها بضرورة توحيد الجهد الفلسطيني لمواجهة الأخطار المتصاعدة لخطة الضم ، وتصريحات الناطق باسم فتح بأن الأخطار الصهيونية متلاحقة ولا بد من مواجهتها بتوحيد الصفوف ، وليس في هذه التصريحات ما يعيبها إلا أنها تعني إدارة الانقسام لمواجهة خطط الضم وقد تجاهل الطرفان استحقاقات الجماهير خلال أسوأ حقبة مرت على تاريخ القضية الفلسطينية.
نحن مع كل جهد فلسطيني يؤدي الى وحدة الحال اذ نشترك في وحدة المصير ولكن يجب أن نكون صادقين مع جماهيرنا ، يجب أن نجتهد لنرفع عن كاهلهم هذا العبء المتراكم منذ سنوات ، نحن مع مصالحة حقيقية تلبي آمال الناس وتخفف عنهم مصابهم وتكفل لهم حرية العيش وتضمن كرامتهم ، لذلك احذروا أن تتلاعبوا بمشاعر الناس .